أعلنت الحركة الطلابية في جامعة بيرزيت عن خوضها اعتصامًا مفتوحًا داخل أسوار الجامعة وإضرابها عن العملية التعليمية بعد إصابة واعتقال قوات المستعربين الطالب إسماعيل البرغوثي واعتقال الطالب محمد الخطيب وعدد من الطلبة الذين أفرج عنهم فيما بعد على بوابة الجامعة الشرقية منذ مساء العاشر من كانون الثاني/ يناير 2022. يأتي هذا الاعتصام للمرة الأولى على خلفية وطنية بحتة حيث خلت مطالب الحركة الطلابية من البنود النقابية كما العادة، فكان أبرزها هذه المرة إقالة القائمة بأعمال عميد شؤون الطلبة عنان الأتيرة، والمتحدث باسم الجامعة غسان الخطيب، حيث اعتبرتهما الكتل الطلابية يشكلان تيارًا سياسيًا يحرف بوصلة الجامعة ويضيّق على الحركة الطلابية نشاطها الوطني.
يعد الاعتصام فرصة جيدة لدراسة واقع الطالبات ولاختبار دورهن الفعلي في الحركة الطلابية1 الجامعية، كونه يشكل حالة طارئة على المألوف وعن التراتبية التنظيمية داخل هياكل الأطر الطلابية أو مجلس الطلبة، خصوصًا وأن الطلبة بشكل عام يحاولون استحداث أدوات جديدة خلال الاعتصام تساهم في تشكيل أدوات ضغط على إدارة ومجلس أمناء الجامعة الذي يرفض التعاطي بشكل جدي مع المطالب حتى تاريخ كتابة الورقة.
تشكل نسبة الطالبات في جامعة بيرزيت من نسبة الطلبة الإجمالي 62%، مما يعني تفوقًا عدديًا للطالبات داخل الجامعة، رافقه تصاعد ملحوظ وإن كان نسبيًا في انخراط الطالبات في الحركة الطلابية سواءً داخل الأطر الطلابية وفي هيكليتها ونشاطاتها حيث برز دور الطالبات في التحضير والأعداد لها، أو الأدوار المميزة التي قامت بها الطالبات داخل مجلس الطلبة برئاسة مؤتمره مرتين أو برئاسة لجان مجلس الطلبة المختلفة. بناءً على ما ذلك فإن سؤال الأدوار هنا يأتي من باب رصد حجم الأدوار أولًا، ثم محاولة الإحاطة بالمعيقات التي تقف حائلًا أمام تطور هذه الأدوار.
تواجدت الطالبات منذ بداية الاعتصام داخل أسوار الجامعة، وقد تراوحت نشاطاتهن بين المبادرة في تقديم وجبات الطعام للطلبة المعتصمين داخل أسوار الجامعة، وبين تنظيم الفعاليات الوطنية والثقافية كالحواريات والندوات التي كان لها صدىً واسع واستطعن الحشد لها بشكل ممتاز، وفتح الباب أمام الطلبة لخوض نقاشات مع الحركة الطلابية حول الاعتصام من جهة، والاستمرارية في رفد الثقافة الوطنية وتنظيم اللقاءات من جهة آخرى.
هذا الدور المتقدم الذي شغلته الطالبات غاب عنه عدة أمور، أهمها مشاركتهن في صنع القرار، فنشاط الطالبات بشكل عام تركز في دعم الاعتصام وليس المشاركة في اتخاذ القرارات المصيرية داخل الحركة الطلابية فيما يتعلق بالاعتصام، وهذا يعود للدور الذي تمثله الطالبات أصلًا داخل الحركة الطلابية والتي تمحورت داخل منظومة معينة لم تتمكن الطالبة من التحليق خارجها، وقد يعود ذلك لعدة معيقات منها ما هو حقيقي وواقع ومنها ما يمكن إعادة النظر فيه وتجاوزه.
فطبيعة عمل الحركة الطلابية في الأزمات غير مهيأة لأن يتم إخراط الطالبات فيها أو بالحد الأدنى العودة فيها لمشاروة الطالبات القياديات في الحركة الطلابية، فالقرارات في الغالب تتخذ بعد اجتماعات ممثلين الآطر الطلابية فيما بينهم أو مع الجهات المعنية بحل الأزمات الرسمية من الجامعة وغيرها والتي يتم تنظيمها في كثير من الأحيان بشكل مفاجئ أو متأخر وفي أماكن مختلفة، وهذا يشكل عائق أول في داخل الحركة الطلابية أمام الطالبة المنخرطة فيها والتي من المفترض أن تكون جزءًا من اتخاذ القرارات.
إلى جانب ذلك، تصاعدت سياسات الاحتلال منذ السنوات القليلة السابقة بحق طالبات جامعة بيرزيت، والتي تراوحت بين الاعتقال والاستدعاء والإبعاد، حيث اعتقلت قوات الاحتلال ثمانية طالبات2، واستدعت خمسة عشر طالبة للاستجواب3، وأبعدت طالبتين4 منذ عام 2019 وحتى اليوم، وقد شكل هذا تحديًا له وزنه واعتباراته في شكل انخراط الطالبات في الحركة الطلابية الذي بقي جزء منه سريًا في سبيل مقاومة هذا التحدي وعدم استنزاف الإطارين الطلابيين الكتلة الإسلامية والقطب الطلابي المصنفتين لدى الاحتلال “منظمات إرهابية” يحاكم الطلبة على خلفية انتمائهم لهم في المحاكم الصهيونية، الأولى منذ عام 1996، والثانية منذ عام 52020 لكواردهم/ن على حدٍ سواء بالممارسات الصهيونية التي تستحدث من آن لآخر وسائل في الضغط على الطالبات وأهاليهن.
تظهر أيضًا تحديات نجحت الطال
بات في كثير من الأحيان التغلب عليها، لكنها ما زالت موجودة كالتحدي الإجتماعي، حيث تجد عدد من الطالبات معيقات اجتماعية تتمثل بعدم رغبة الأهل خوض بناتهن تجربة العمل الطلابي وتخوفهن من ما يترتب على ذلك من نتائج تعتبرها بعض العائلات سلبية، في حين أن هذا التحدي قد بات غائبًا عن المشهد عند عدد معتبر من الطالبات اللواتي يلاقين أوساطًا اجتماعية داعمة لنشاطهن ومتفهمة لما قد يترتب عليه من نتائج.
قد يكون التحدي الأكبر هو الوازع الداخلي للطالبات أنفسهن، والافتقار لروح المبادرة في التفكير الجماعي بوسائل تمكين الطالبات وخلق المساحة الحقيقية التي يمكن أن يشغلنها داخل الحركة الطلابية، إلى جانب ذلك فإن هذا يحتاج إلى دعم حقيقي وجاد من الأطر الطلابية متجاوزًا الشعارات الرنانة والمبادرات الكلامية، على أن هذا لا يتنافى مع أن للطالبة دور حقيقي وفعال في الحركة الطلابية لكنه منذ فترة طويلة بقي على نفس المنوال ويعاني كما الحركة الطلابية من تذبذب، ولا بد من البحث في وسائل استنهاضه.
تعد بيئة جامعة بيرزيت متميزة وقد أثبتت جدارتها تاريخيًا ومقارنة بمثيلاتها في الجامعات الفلسطينية، والأصل أن يكون النضال الطلابي الأن فرصة مهمة لمنح الطالبات المسؤولية للمشاركة في اتخاذ القرارات، والحيز لتنظيم النشاطات، وخوض النقاشات المتعلقة بقضاياهن الجامعية والمجتمعية على حدٍ سواء، ومراجعة الأدوار المنوطة بهن كنساء في ظل الواقع الفلسطيني المجتمعي الذي تعاني فيه المرأة من مشاكل حقيقية لا بد من الوقوف جديًا عندها، فالطالبات الشابات اليوم والمنخرطات في الحركة الطلابية هنّ نساء الغد بالمراكز المختلفة التي سيشغلنها، واللواتي إن أحطن بما يتعلق بها اليوم سيكون الطريق أقل حلكة أمامهن في المستقبل.
الهوامش:
1- تضم الحركة الطلابية الكتل الطلابية والمجموعات الشبابية ذات الطابع الوطني داخل أسوار جامعة بيرزيت، وتعد الحركة الطلابية أحد الفواعل الفلسطينية الوطنية شغلت أدوارًا مهمة داخل أسوار الجامعة وخارجها نقابيًا ووطنيًا.
2- تم اعتقال ميس أبو غوش وسماح جرادات وشذى حسن عام 2019، واعتقال ليان كايد وإلياء أبو حجلة وربى عاصي وشذى الطويل عام 2020، واعتقال ليان ناصر عام 2021. ولا بد من الإشارة إلى أن الطالبة والأسيرة المحررة ليان كايد لعبت دورًا رياديًا وفريدًا في اعتصام عام 2019 متاوزة العديد من المعيقات التي تتحدث عنها الورقة ،وقد بقيت ليان المثال الوحيد للطالبة التي كانت على اطلاع كامل بمستجدات الإضراب وشاركت في صنع القرار بشكل حقيقي.
3-هذا العدد جاء بعد تتبع الباحثة لعدد الطالبات اللواتي تم استدعائهن خلال العشر سنوات الأخيرات، وتعتقد أن الرقم أكبر من ذلك لكن نظرًا للسرية التي تحيط بالموضوع وعوامل آخرى توصلت إلى هذا الرقم فقط.
4- إبعاد الطالبتين سائدة الزعارير مدة 4 شهور وعلا طوطح شهرًا عن حرم جامعة بيرزيت عام 2019.
5-يُنظر: دلال باجس، الحركة الطلابية الإسلامية في فلسطين الكتلة الإسلامية نموذجًا (رام الله: مواطن، المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية، 2012) 36؛ الاحتلال يعلن القطب الطلابي ” تنظيمًا إرهابيًا”.. الجبهة: وسام شرف على صدرنا، قدس الإخبارية، 21 تشرين أول/ أكتوبر عام 2020.
المصادر والمراجع:
- باجس، دلال. الحركة الطلابية الإسلامية في فلسطين الكتلة الإسلامية نموذجًا. رام الله: مواطن المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية، 2012.
- الاحتلال يعلن القطب الطلابي ” تنظيمًا إرهابيًا”.. الجبهة: وسام شرف على صدرنا، قدس الإخبارية، 21 تشرين أول/ أكتوبر عام 2020.