بتاريخ 14/02/2021، أصدر المجلس الأعلى للقضاء الشرعي تعميمًا قضائيًا رقم (01/2021) بخصوص منع السفر، إذ نصت المادة (2) من التعميم على: “إذا انتقلت حضانة القاصرين والمشمولين بحضانة النساء إلى الأب الذي طلق زوجته وتزوجت بأجنبي، ولم يوجد من ينتقل إليها حق الحضانة، جاز للأب أن يسافر بأولاده إلى أن يعود حق أمهم، أو من يقوم مقامها في الحضانة، بشرط حصوله على إذن من محكمة أول درجة، على أن تتبع الإجراءات المنصوص عليها في التعميم القضائي رقم 1/2020 م، الصادر بتاريخ 30-1-2020”. إذ إنّها تُسقط حق الأم باستضافة ومشاهدة أطفالها بسبب عدم حضانتها لهم، وهو ما يتعارض مع التعميم السابق الصادر عن المجلس الأعلى للقضاء الشرعي رقم (22/2010)، والذي أقرّ بحق الأم بمشاهدة واستضافة أطفالها الذين ليسوا في حضانتها، كما أنه جعل قرار سفرهم إبعادهم عن الأم غير الحاضنة للصغار بيد الأب حصرًا،
تعديل بلا إنصاف
بتاريخ 25/02/2021، قام المجلس الأعلى للقضاء الشرعي بإجراء تعديل، أو لربما بإعادة صياغة التعميم السالف ذكره، إلا أن كتابتها بطريقة مبهمة، أو عدم الإشارة في التعميم الصادر 3/2021، إلى إلغاء ما يخالفه من التعميمات السابقة، يؤكد على استمرارية العمل بها من ناحية إجرائية.
يشكل التعميم المذكور أعلاه مخالفة واضحة، وصريحة للتشريعات الوطنية والمواثيق الدولية، إذ خالف وثيقة الاستقلال الصادرة في 1988 والتي نصّت على: “دولة فلسطين هي للفلسطينيين أينما كانوا… قائمة على أساس العدل الاجتماعي والمساواة وعدم التمييز في الحقوق العامة، على أساس العرق، أو الدين، أو اللون، أو بين المرأة والرجل”.
كما لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأي قيد، أو منعه من التنقل، إلا بأمر قضائي وفقًا لأحكام القانون، ويحدد القانون مدة الحبس الاحتياطي، ولا يجوز الحجز أو الحبس في غير الأماكن الخاضعة للقوانين الصادرة بتنظيم السجون”، وأما المادة (20) منه فقد أكدت على “حرية الإقامة والتنقل في حدود القانون”.
ويخالف المواثيق الدولية المتمثلة في الشرعة الدولية، كما جاء في ميثاق الأمم المتحدة الذي يؤكد على الإيمان بالحقوق الأساسية للإنسان، وحقوق مساوية للرجال والنساء، وما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يؤكد على مبدأ عدم جواز التمييز، وكذلك ما جاء في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، ليؤكد على حرية الأفراد في التنقل والسفر دون تقيد أو منع، إذ نصت المادة (12) منه على “1- لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل إقليم دولة ما حق حرية التنقل فيه، وحرية اختيار مكان إقامته. 2- لكل فرد حرية مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده”.
وأخيرًا، فإن التعميم فيه مخالفة لنص المادة (15) الفقرة (4) من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو”، والتي نصت على:
والجدير بالذكر أن فلسطين انضمت إلى العديد من الاتفاقيات الدولية، كأحد الامتيازات التي تمتعت بها بعد صدور قرار الجمعية العامة بمنح فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة، في نص قرارها: ” تقرر أن تمنح فلسطين مركز دولة غير عضو لها صفة المراقب في الأمم المتحدة، دون المساس بحقوق منظمة التحرير الفلسطينية المكتسبة، وامتيازاتها، ودورها في الأمم المتحدة بصفتها ممثل الشعب الفلسطيني، وفقا للقرارات ذات الصلة بالموضوع والممارسة المعمول بها في هذا الشأن”، الأمر الذي يرتب على فلسطين باعتبارها دولة طرف في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو”، أن تعمل على كفالة الحقوق المتساوية للمرأة في المجالات كافة، أن تعتبر كل العقود والصكوك الخاصة التي تقيد من الأهلية القانونية للمرأة، أن تعتبرها لاغية وباطلة.
وتأتي هذه التعميمات والقرارات الإدارية في ظل تراجع حالة حقوق الإنسان في فلسطين المحتلة، وتحديدًا على النساء، إذ شهد العام المنصرف قتل 36 امرأة، مع تفاوت الأسباب، ولكن أكثرها يرجع إلى ترسيخ ثقافة ذكورية تمييزية مجحفة بحق النساء، تؤثر على جيلٍ قادم بأكمله، في المقابل، تسعى المؤسسات الحقوقية النسوية إلى المطالبة بإقرار مشروع قانون حماية الأسرة من العنف الذي يعبر على أن التمييز جريمة ويستدعي العقاب، كما نصت المادة (44) منه على
.إذ تنطوي القرارات والتعميمات الصادرة على الحرمان والتمييز بين الجنسين
لذلك أرى بضرورة إصدار قوانين في ظل بيئة تشريعية صحية، وإلى إجراء الانتخابات التشريعية في موعدها، حتى يُعاد النظر في العديد من القرارات بقوانين الصادرة في الضفة الغربية، والقوانين الصادرة في وقطاع غزة، والعمل على إصدار قوانين تضمن حياة عادلة وحقوقًا مساوية لكلا الجنسين حتى نكبّر جيلًا خاليًا من التمييز.