ترى الكثير من الدراسات أن التقدم في المشاركة السياسية لدى المرأة، خاصةً في أماكن صنع القرار، يعود إلى ارتفاع نسبة التعليم والعمل في ذات المجتمع، (علي،2008). في العالم العربي تتأثر المشاركة السياسية للمرأة بعوامل متغيرة سواء أكانت تاريخية أو ثقافية أو اجتماعية أو سياسية تحصل في العالم (أبو بكر، 1998). أما في “إسرائيل” فإن التغيير في التمثيل السياسي النسائي يتأثر بشكلٍ مباشرٍ من عدة عوامل لعلّ أهمها مكانة الدين اليهودي في الدولة. بالرغم من الجهود التي بذلت قبل قيام “دولة إسرائيل” للمساواة بين الجنسين كما نرى في نظام “الكيبوتس” إلا أن التمثيل النسائي الاجتماعي أو السياسي ظل دائمًا مهمّشاً ومغيّباً عن ساحة التأثير العام، ( علي، 2008). هذا إضافة إلى متغيرات كثيرة، سواءً اجتماعية أو حضارية، تعزو تخلّف النساء عن المشاركة السياسية العامة إلى بنية المجتمع الرافضة لتصدّر المرأة مواقع سياسية وقيادية; باعتبارها ميداناً ذكورياً بامتياز. (هرتسوغ، 1996). من جهتها، تميل التيارات النسوية إلى اعتبار الاختلاف الوظيفي الاجتماعي وبنية المجتمع “الذكوري” عاملًا أساسيًا في تغييب المرأة عن الساحة السياسية (أبو عقصة داود، 2003).
تحتل “إسرائيل” مكاناً متدنياً عالمياً لتمثيل المرأة في المناصب السياسية، بالرغم من تدريجها المرتفع للناتج الاقتصادي للفرد (علي، 2008) يكمن السبب في ذلك إلى عوامل أخرى أهمها: الإنفاق العسكري. حيث أشارت نتائج الأبحاث إلى وجود علاقة بين الإنفاق العسكري في الدولة ونسبة التمثيل السياسي للمرأة; بحيث أنه كلما كان الإنفاق العسكري من المدخول الوطني أكبر، فإن أعداد النساء اللواتي يصلن إلى الحكومة تكون أقل (نقار، 2006). وبالمحصّلة، تحصل النساء على دعم أكثر في المنظومة التعليمية فيكون هناك ارتفاعًا في نسبة النساء المتعلمات والعاملات ولكن في المقابل، تغلق أبواب السياسة في وجه هذه النساء لأسباب أمنية وعسكرية. (علي،2008).
المشهد السياسي الإسرائيلي
لا بد من الإشارة الى أن هذه المنظومة السياسية مرتبطة بمشروع استعماري يقوم بالأساس على تأجيج الصراع بين المجموعات العرقية الأقل نفوذًا، وفي السياق الإسرائيلي، فإن هامشية المجموعات غير اليهودية، وبالذات الفلسطينية العربية، تمنعها من الاندماج بشكل كامل وواضح في السياسة الإسرائيلية. تعيش “إسرائيل” اليوم أزمةً سياسيةً بسبب عدم قدرة أيّ من الكتل السياسية على تجاوز نسبة الحسم، وبالتالي القدرة على تشكيل الحكومة، هذا إضافة الى حالة التشظي السياسي بين الكتل؛ حيث تتنافس الأحزاب اليمينية دون الاتفاق على مرشحٍ واحدٍ لرئاسة الحكومة، على نحو ما كان في الدورات الانتخابية السابقة. (مدى الكرمل 2021)
وتتميز هذه الدورة الانتخابية بأنها منافسة بين الأحزاب اليمينية على اختلافها من اليمين التقليدي واليمين المتطرف المتمثلين بالمرشحين، بنيامين نتانياهو وجدعون ساعر ونفتالي بنت. وفي الجهة المعارضة كذلك فإن حالة التشظي ليست بأقل حدة؛ فلقد تبعثر حزب كاحول لافان وانقسم إلى عدة أحزاب، علاوةً على الأحزاب التي انسحبت من المنافسة كحزب هيسرائيليم. هذه الصورة من التشظّي السياسي لم تكن حصرًا على الأحزاب اليهودية فحسب، بل طالت أيضا القائمة المشتركة، والتي تعتبر المركب العربي الفلسطيني الذي يمثل الفلسطينيين في داخل الكنيست، فقد انقسمت هذه القائمة عشية الانتخابات إلى قسمين: ” القائمة المشتركة”، و”القائمة العربية الموحدة”.
ولا بدّ من الذكر بأن هذه الانتخابات تجري على ضوء حالة من الأزمة الاقتصادية في المجتمع العربي الفلسطيني داخل “إسرائيل”، كان أهم أسبابها: جائحة كورونا، وانتشار العنف والجريمة في داخل المجتمع الفلسطيني. كما ويتوقع مركز مدى للدراسات الاجتماعية والتطبيقية في نشرته، تراجع نسبة التصويت في المجتمع الفلسطيني مقارنة بنسبة التصويت في المرات السابقة. وبالتالي تراجع تمثيل القوائم العربية.
كل هذه الحقائق والمتغيرات تلقي بظلالها على حالة تقدم المرأة العربية في العمل السياسي داخل الكنيست. والمثير للانتباه هنا، أن هذه الانتخابات، وللمرة الأولى، قد أشركت فيها أربع نساء عربيات دفعة واحدة الى الكنيست، الأمر الذي يدفعنا هنا للتوقف والتساؤل حول جدوى المشاركة السياسية لعرب الداخل في الكنيست الإسرائيلي، ومن ثم الالتفات الى مشاركة المرأة الفلسطينية ومدى تأثيرها الفعلي في الساحة السياسية. ولعل سؤال التأثير ومدى فاعلية المشاركة في الانتخابات هو أكثر ما يميز النقاش الدائر داخل المجتمع الفلسطيني في “إسرائيل”؛ حيث تؤمن نسبة لا بأس بها بأن هذه المشاركة لا تعود عليهم بأية إنجازات تذكر، وبأن دورها لا يتعدى كونه شكليًا.
لا بدّ لنا من أن نفهم حالة التهميش التي يعاني منها المجتمع الفلسطيني في “إسرائيل” ككل حتى نفهم طبيعة التهميش الذي تتعرض له المرأة في الساحة السياسية (نعيم،2015). حيث أن المشكلة الأساسية في اندماج المرأة الفلسطينية في الساحة السياسية هو ليس فقط لكونها امرأة، مع كل ما يحمله ذلك من تحديات اجتماعية وسياسية وحضارية، بل إن الأساس يكمن في أن هذه المنظومة السياسية هي بالأساس منظومة استعمارية تسعى الى تهميش الأقلية الفلسطينية وبالتالي، فإن المرأة تعاني في هذا المجتمع من التهميش المضاعف لكونها أولًا فلسطينية، وثانيًا لكونها امرأة.
قد نقول هنا بأن ما نتحدث عنه غير دقيق، خاصة إذا نظرنا إلى نسبة مشاركة المرأة الفلسطينية في السياسة، والتي تشير الاحصائيات الى أنها بارتفاع مستمر، حيث كانت المشاركة السياسية للمرأة منذ الانتفاضة الثانية ضعيفة وبطيئة الخطى، ولكن شكلت السنوات الأخيرة نقلة نوعية في نسبة المشاركة مقارنة بسنوات ما قبل الانتفاضة الثانية. وبالرغم من أن المرأة الفلسطينية قد شاركت سابقًا وكانت حاضرةً ما وراء الواجهة للأحزاب العربية، ولكن هذا الحضور لم يكن ذا تأثير حقيقي في واجهة العمل السياسي.
أما في العام 2019 فقد قفزت نسبة التمثيل النسائي في الكنيست، حيث انضمت أربعة نساء الى الكنيست دفعة واحدة ضمن كتلة القائمة المشتركة والتي تتكون من الأحزاب العربية الكبرى في المجتمع العربي.
أصوات نسائية سياسية خارج الكنيست:
في إشارة الى النشاط النسائي -سواء الاجتماعي أو السياسي- وفي ظل ازدياد المطالبة عالميًا بإشراك المرأة في ميادين كانت حكرًا على الرجال؛ كالقيادة والمناصب السياسية، حاول حزب الوفاء والإصلاح، الذي يرفض بدوره المشاركة في انتخابات الكنيست من منطلق رفض مبدئي لفكرة المشاركة بالكنيست، فالحزب يتبنى فكرًا دينيًا محافظًا كان البديل الوحيد للحركة الإسلامية الشمالية بعد حظرها من المؤسسة الإسرائيلية، إدراج المرأة في مركباته، حيث شاركت للمرة الأولى في مؤتمر إطلاق الحزب امرأة فلسطينية وهي هبة عواودة، الأمر الذي شكل قفزة في الوعي السياسي للمرأة في الداخل الفلسطيني خاصة في أوساط المجتمع المتدين، والذي كان النشاط السياسي والجماهيري حكرًا فيه على الرجال. لكن هذا الظهور ظل ضئيلًا، خاصة مع التضييق الذي تمارسه الحكومة الإسرائيلية على الأحزاب والحركات التي تنشط خارج إطار الكنيست.
يخضع العمل السياسي للفلسطينيين في “إسرائيل” للنقد بشكل كبير من المجتمع الفلسطيني في داخل “إسرائيل”، حيث يؤيد قسم من الفلسطينيين النشاط السياسي كنوع من أنواع المحافظة على إثبات الوجود، وكذلك كنوع من محاولة تحصيل الحقوق المدنية والمعيشية. في المقابل، يرفض توجهٌ آخر هذه المشاركة بصفتها نوع من أنواع التخلي عن الأرض وعن الحقوق المبدئية والأساسية التي شكلت وجه الصراع الفلسطيني في مواجهة الاحتلال.
ضمن هذا كله
وبالرغم من الارتفاع في نسبة المشاركة السياسية وفي الحضور النسوي في الواجهة المجتمعية والسياسية، إلا أن التأثير لا يزال غير ملموس، وذلك يرجع إلى طبيعة التوجه الذي تتبناه الحكومة الإسرائيلية من الرفض المباشر لإشراك أي حزب عربي في تركيبة الحكومة، أو في أي مشروع سياسي من الممكن أن تكون له اسقاطات مصيرية على الوجه العام للدولة اليهودية.
المصادر والمراجع:
أبو بكر، خ. (1998). في طريق غير معبدة: النساء العربيات كحياديات في الحياة السياسية الإسرائيلية. رعنانا، مركز دراسات المجتمع العربي في إسرائيل.
أبو عقصة- داود، س. (2002). النساء الفلسطينيات في السياسة الإسرائيلية. أطروحة دكتوراه- القدس: الجامعة العبرية.
هرتسوغ، ح . (1996). هويات على مفترق طرق، المرأة العربية في إسرائيل. حيفا.
نقار، ي. (2006). نساء في إسرائيل 2001-2006. القدس: الكنيست، مكتبة الكنيست، المسح 3.
نعيم،ع. (2015). المرأة الفلسطينية في مناطق 48 التمثيل في الكنيست والسلطات المحلية. مجلة قضايا إسرائيلية، 59(12)، 93-102.
علي،ن. (2008). خارج الملعب البيتي: نساء فلسطينيات في السياسة الإسرائيلية. مجلة قضايا إسرائيلية، 31-32 (12)، 112-128.
وحدة السياسات (2021، شباط). المشهد والمشاركة السساسيان لدى الفلسطينيين في إسرائيل في انتخابات الكنيست المرتقبة الرابعة والعشرين. تقدير موقف. حيفا: مدى الكرمل- المركز العربية للدراسات الاجتماعية التطبيقية.